مقالات وكتاب

الضمانات العشر لإيجاد البيئة الملائمة للعمل الوقفي الناجح

وقفة الاثنين مع الوقف :

الخواطر الأسبوعية
في الإدارة الرسالية
للمؤسسات الوقفية

الضمانات العشر لإيجاد البيئة الملائمة للعمل الوقفي الناجح :

الحرص على أداء العمل على أكمل وجه :

إن الحديث الشريف الذي ذكرتُه في النقطة السابقة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يحبُّ إذا عمِل أحدُكم عملًا أن يتقنَه»؛ كان ولا يزال ماثلًا أمام عينيّ باستمرار، حتى عقدتُ العزمَ منذ قديم أن أجعله شعارًا لما أتقلده من أعمال أو مسؤوليات، دقَّت أو جلَّت.
كانت محاولة الإتقان بالنسبة لي كبيرة دائمًا، ولله الحمد، حتى وإن أخفقت تلك المحاولة في بعض الأحيان، فإن الإنسان ليس بمعصوم، والمحاولة في معالي الأمور نجاح في حدّ ذاتها. وتنطلق تلك الرغبة وهذه المحاولة المستمرة من أن إتقان العمل في كل شيء ينفع، مهما كان ذلك الشيء يسيرًا، فلا يحسن أن يتهاون فيه الإنسان، فيفرّط في بذلك المجهود المطلوب لإنجازه على أكمل وجه وأحسن صورة.
وقد حرصتُ، ولله الحمد؛ خلال فترة توليتي مسئولية الأمانة العامة للأوقاف على إتقان العمل الوقفي، بحيث يكون فيه نوعٌ من القدوة الحسنة، من خلال القيام بالواجبات على أكمل صورة ممكنة، ومحاولة إتقان كلِّ ما يؤدَّى من أعمال وواجبات، بحيث تُعطى كلُّ نقطة حقها وكل جانب من جوانب التنفيذ حقه.
فمن أسس الإتقان في العمل التي كنتُ أتوخاها في العمل باستمرار: النظر إلى الأمور بالجدية الكافية، وإعطاؤها أهميتها، بحيث يحقق التعاملُ معها الجدوى الصحيحة. وكذلك المتابعة الجيدة لسير الأمور والإجراءات وعدم اتخاذ الإجراء والغفلة عن متابعته والوقوف على مدى تطوره وما قد يعترضه من عقبات، وهذا جميعه من متطلبات النَّفَسَ الجيد في التطبيق والتنفيذ للمسائل الوقفية، وإلا لتعطلت الكثير من الوقفيات، وتضرّرت مصارفها، ولا شكّ أن هذا من تضييع الأمانة المسئول عنها أمام الله يوم القيامة، ثم أمام القانون والمجتمع والموقفين وذرياتهم.
ولأجل تحقيق ذلك كنتُ أحرص على مواصلة العمل لإعطاء كل ذي حق حقه وعدم تأخير الحقوق، حتى لو اقتضى ذلك مجاوزة ساعات الدوام الرسمية، وقد كان ذلك هو الغالب ولله الحمد، ولو كان في الفترات التي يعتاد بعض الناس اخنفاض مجهودهم العملي والوظيفي فيها، كشهر رمضان مبارك، حيث كنت أواصل العمل قبيل صلاة المغرب.
وكنت حريصًا على استقبال الجميع من ذرية الموقفين أو النظار المشتركين أو الموظفين لأن لهم طلباتهم ومشاكلهم، وكذلك استقبال المستفيدين من الوقف وأصحاب المشاريع والقضايا الخاصة، وهذا الأخير طيف واسع من المراجعين والذين لهم طلبات متنوعة وكثيرة. وذلك فضلًا عن طلّاب التبرع والمساعدات من الوفود والمؤسسات الخارجية ولهم تقديرهم الذي ينبغي أن يظهر في إتقان العمل والتعاون مهم، لدرجة أنني كنت أضطر حتى في رمضان – كما أشرتُ قبل قليل -، وهو موسم جمْع التبرعات وحضور الوفود الطالبة للمساعدات: أن أبقى إلى قبيل المغرب لأنظّم الاجتماعات واللقاءات، وأعطيت صلاحيةً لموظفي المكتب أن يعبّئوا النماذج التي يلزم أن تملأها الوفود، وجعلت بين كل وفد وآخر نصفَ ساعة بحيث تكفي تلك المدة لاستعراض مطالبهم المستهدفة من زيارتهم بكل سعة صدر وأريحية بحمد الله وتوفيقه وإعانته ، فنخصص لهم الوقت الكافي ولو بعد الدوام.
وهذا الحرص الذي ذكرتُ بعضَ ملامحه، ولله الحمد؛ قد جعل الأمين العام لا يملك أي لحظة تقريبًا خلال وقت الدوام للنظر في البريد، فقد كنت أجعل كل دوامي في المقابلات والاجتماعات وإدارة العمل، ولا شك أن مطالعة البريد وما فيه من مكاتبات ومطالبات والبتّ فيها؛ هو من الأعمال الإدارية المهمة التي تتوقف عليها الكثير من الإجراءات، ولا شكّ أن تعطيلها مضر بالعمل وهو خلاف الإتقان. ومن ثَمَّ، ومع أنه من حقي أن أُفْرِد أوقاتًا خلال الدوام للبريد ولكن لم أكن أستطع؛ فقد كنت أرحِّل كلَّ البريد إلى البيت، ومن بعد الظهر أو المساء آخذه البيت وأشتغل عليه، وأحيانا لا أنقطع عنه في مكتبي في البيت إلا عندما يغلبني التعب والنعاس ، وعندها أترك البريد مفتوحًا للصباح أو بعد الفجر بحيث يأتي مندوب الأمانة العامة للأوقاف في الساعة السابعة صباحاً ليأخذه جاهزًا من موضعٍ مخصوص أتركه فيه، ويأتي المندوب بكل انسيابية ولو لم أكن مستيقظًا فيأخذ بريد الأمس في اليوم منتهيًا، وهذا ما كان يجعل العمل يتم في انسيابية وسرعة بشهادة جميع العاملين الملتزمين بدوام الفترة الصباحية بالصورة الصحيحة، فهؤلاء يشهدون أن بريدهم يأتيهم من بداية اليوم مع أنهم كانوا قد أنهوا كثيرًا من المعاملات في نهاية الدوام، إلا أنهم يجدون عليها الإجابة السريعة من خلال البريد في صباح اليوم التالي مباشرة!
وفي هذا السياق أود أن أشير إلى تعميمٍ عممته يتعلق تعلقًا مباشرًا بقضية الحرص على أداء العمل على أحسن وجه. فقد سبق أن أصدر الأمين العام للأوقاف في مراحل سابقة قرارًا إداريًّا بشأن نظام الموظف المثالي بالأمانة العامة للأوقاف، وهو القرار الإداري رقم (127) لسنة (2003م)، ثم تبعه تعديل بالقرار الإداري رقم (200) لسنة (2004م)، والقرار رقم (185) لسنة (2005م)، ويتعلق هذا القرار بتعديلاته بالترشيح لاختيار الموظف المثالي، وتشكيل لجنة لاختياره (مرتين كل عام)، ويتضمن بعض المعايير كساعات التأخير والاستئذان والإجازات بأنواعها جودة الأداء وسرعته وتحمل الأعباء وغير ذلك. فأصدرت تعميمًا على جميع الموظفين أهبت بهم فيه بضرورة الحضور الصحيح، والالتزام في الدوام، ووضعت الإدارات أمام مسؤوليتها لأن تكون هي الرقيبة على منسوبيها، وهذا دورها الأصيل، وكان التعميم تفعيلًا له. ووفق كلام مدير إدارة الشؤون الإدارية أيامها؛ فقد قال : ” إن هذا أقوى تعميم مرَّ عليّ في الأمانة العامة لأوقاف! لأنّ فيه نوعًا من النهي المباشر عن ضياع أمانة الأوقاف، وتضييع الوقت في خارج مصلحة الدوام، وتنويهًا مباشرة بضرورة الالتزام الصحيح بالدوام “.
كانت هذه بعض الملامح التي عكست اهتمامي بالحرص على أداء العمل على أكمل صورة خلال فترة مسؤوليتي عن الأمانة العامة للأوقاف، ولا أدعي الكمال، فإن الكمال على البشر محال، ولكن هذا جهد المقل، وأرجو أن أكون قد وُفقت في هذا القليل، فإن القليل الدائم خير من الكثير المتحوِّل.

د. عبدالمحسن الجارالله الخرافي
الأمين العام السابق للأمانة العامة للأوقاف
بدولة الكويت

إغلاق
إغلاق