مقالات وكتاب

أوربي يقتل 77 طالبا دون ضجة إعلامية

بقلم: د.عصام عبداللطيف الفليج

أصبح ارتباط كلمة “إرهاب” تلقائيا لدى الغربيين مع المسلمين والعرب كبشر، والإسلام كدين، حتى المعتدلين منهم في ساعة الانفعال يلقي الكلمة دون شعور منهم، ولا يلامون في ذلك، فالإعلام الغربي لعب دورا كبيرا في ذلك لأهداف استراتيجية، خصوصا إذا علمنا من هو المالك الأكبر لوسائل الإعلام والسينما في العالم.
لذا.. لا غرابة أن نرى تضخيما إعلاميا لأي عمل إرهابي، حقيقي أو مبرمج، مخترق أو مفتعل، من قبل عربي أو مسلم، راح ضحيته شخص أو شخصين، في حين تحصل مئات المجازر في أوربا وأمريكا، يروح ضحيتها مئات البشر، ولا يعلم عنها أحد.
ومن تلك المجازر التاريخية ما حصل في مملكة النرويج، تلك البلاد المسالمة الراقية الجميلة، في 22 يوليو 2011م، عندما أقدم إرهابي نرويجي على قتل 77 طالب وطالبة في مخيم صيفي دون ذنب اقترفوه، ولم يعرف العالم بذلك إلا من خلال الفيلم الذي يحمل عنوانه نفس التاريخ (22 JULY)، فما حكاية هذه العملية الإرهابية؟!
يحكي الفيلم قصة حقيقية لمجرم يميني متطرف، لديه عقدة من الوافدين بشكل عام، والمسلمين بشكل خاص، وهذه العقدة موجودة لدى الأحزاب اليمينية في أوربا، معتقدين أنهم ضيقوا عليهم فرص العمل ومقاعد الدراسة وارتفاع الدخل، وانتقال قيم وعادات جديدة من مجتمعاتهم إلى المجتمع الأوربي، ويدعون لطردهم من كل أوربا.
ويعد هذا الحزب (الوهمي) نفسه امتدادا لفرسان الهيكل المعادي للإسلام، كما يقول المتطرف في الفيلم، وصرح أنه يقصد طرد المسلمين بالذات، وأقول وهميا لعدم وجود كيان رسمي له، ولأن التواصل يتم بين أعضائه عبر الإيميل ومواقع خاصة، وكثير منهم لا يعرف بعضهم بعضا.
واعتبر النرويجي اليميني المتطرف أندرس بهرنغ بريفيك نفسه قائدا للحزب (المجهول)، فقام بتفجير مبنى رئيس الوزراء في العاصمة أوسلو قاصدا قتله هو ومن معه بسيارة مفخخة، ثم اتجه إلى جزيرة أوتويا خارج أوسلو، والتي يقام فيها مخيما تدريبيا لطلبة المرحلة الثانوية، وبدأ بقتل الطلبة في المخيم، وتابع الطلبة الهاربين حتى الشاطئ وقتل كل من وصل إليه بدم بارد، وبلغ عدد من قتلهم 77 طالبا وطالبة، وعشرات الجرحى بإصابات طفيفة وخطيرة، ثم استسلم بكل برود للشرطة.
واعترف القاتل أمام القضاء بجريمته بلا تردد وبكل جرأة، مع سبق الإصرار والترصد، وأنه قام بذلك بمحض إرادته ورجاحة عقله، وذكر أن هدفه من ذلك لفت أنظار الحكومات الأوربية لمشكلة يعتقدها هو وكثير من الأوربيين من كثرة الوافدين والمهاجرين في أوربا، وسط غضب أهالي الضحايا.
وحكمت عليه المحكمة بالحبس الانفرادي إلى أجل غير مسمى. وانتهى الفيلم.
والآن قراءنا الكرام.. كم واحد منكم سمع بهذه المجزرة؟ أرأيتم تناقضات الإعلام الغربي في التضخيم والتهويل؟! لا عدالة ولا مصداقية، مما جعل الأوربيون الوافدون يعيشون الخوف والهلع من وصول الأحزاب اليمينية المتطرفة لرئاسة الحكومة، مع استهداف “المسلمين”، وهذا ما أشار إليه القاتل صراحة، وإذا كان هذا في بلد مسالم مثل النرويج، فما هو حال الدول المتشددة؟!
بقي أن نعرف أن النرويج بقيت على الحياد في الحربين العالمية الأولى والثانية، وهي ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي لتبقى على مسافة واحدة من الجميع، ويبلغ عدد السكان 5 ملايين ونصف تقريبا، ويقدر عدد المهاجرين 12%، وهي تستقبل اللاجئين ضمن اتفاقيات الأمم المتحدة.
وصنفت النرويج في المرتبة الأعلى بين دول العالم في مجال التنمية البشرية، والرعاية الصحية، ونظام التعليم، وأكثر البلدان “سلمية” في العالم.
ويذكر أن الشاعر والأديب النرويجي المعروف وصاحب النشيد الوطني Henrik Vergeland كان قد دخل الإسلام في بدايات القرن التاسع عشر (حوالي 1820م).
وبعد ذلك كله، وبعيدا عن الإعلام المشوه للعلاقات الإنسانية، فالكل يقدر دور النرويج الإنساني في العالم، واحتضانها آلاف اللاجئين والمهاجرين، وتقديمها المساعدات الإنسانية لمختلف دول العالم المنكوبة.
وأيضا.. الكل يقدر الرد السياسي والاجتماعي الإنساني الكبير لهذا المجرم ومن يحمل هذا الفكر المتطرف في أوربا وغيرها، بأنهم سيبقون على العهد قائمون (كما ورد في الفيلم) كرسالة للعالم بأنهم لن يغيروا موقفهم من نشر قيم الخير، وأنهم هم وأبناءهم سيواجهون المتطرفين ويكافحونهم وسينتصرون عليهم، وهذه كانت آخر جملة في الفيلم.
ولا يفوتني أن أشكر الناقد السينمائي الكبير د.الفاروق عبدالعزيز الذي دعاني لعرض هذا الفيلم، مع لمحات نقدية هادفة.
د.عصام عبداللطيف الفليج

إغلاق
إغلاق